سورة الكهف - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


{قل} يا محمد: {الله أعلم بما لبثوا} ممَّن يختلف في ذلك {له غيبُ السموات والأرض} علم ما غاب فيهما عن العباد {أبصر به وأسمع} ما أبصرَ الله تعالى بكلِّ موجودٍ، وأسمعَه تعالى لكلِّ مسموعٍ {ما لهم} لأهل السَّموات والأرض {من} دون الله {من ولي} ناصرٍ {ولا يشرك} الله {في حكمه أحداً} فليس لأحدٍ أن يحكم بحكمٍ لم يحكمْ به الله.
{واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك} اتَّبع القرآن {لا مبدِّل لكلماته} لا مغيِّر للقرآن {ولن تجد من دونه ملتحداً} أَيْ: ملجأ.
{واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} مفسَّر في سورة الأنعام إلى قوله: {ولا تعدُ عيناك عنهم} أَيْ: لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الهيئات والرُّتبة {تريد زينة الحياة الدنيا} تريد مجالسة الأشراف {ولا تطع} في تنحية الفقراء عنك {من إغفلنا قلبه عن ذكرنا} جعلناه غافلاً. {وكان أمره فرطاً} أَيْ: ضَياعاً هلاكاً؛ لأنَّه ترك الإِيمان والاستدلال بآيات الله تعالى واتَّبع هواه.
{وقل} يا محمَّد لمن جاءك من النَّاس: {الحق من ربكم} يعني: ما آتيتكم به من الإِسلام والقرآن {فمن شاء فليؤمن ومَنْ شاء فليكفر} تخييرٌ معناه التَّهديد. {إنا أعتدنا} هيَّأنا {للظالمين} الذين عبدوا غير الله تعالى {ناراً أحاط بهم سرادقها} وهو دخان يحيط بالكفَّار يوم القيامة. {وإن يستغيثوا} ممَّا هم فيه من العذاب والعطش {يُغاثوا بماءٍ كالمهل} كمذاب الحديد والرَّصاص في الحرارة {يشوي الوجوه} حتى يسقط لحمها، ثمَّ ذمَّه فقال: {بئس الشراب} هو {وساءت} النَّار {مرتفقاً} منزلاً، ثمَّ ذكر ما وعد المؤمنين فقال: {إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر مَنْ أحسن عملاً...} وقوله: {يحلون فيها من أساور من ذهب} يُحلَّى كلُّ مؤمنٍ واحدٍ بسوارين من ذهبٍ، وكانت الأساورة من زينة الملوك في الدُّنيا، وقوله: {ويلبسون ثياباً خضراً من سندسٍ وإستبرق} وهما نوعان من الحرير، والسُّندس: ما رقَّ، والاستبرق: ما غلظ {متكئين فيها على الأرائك} وهي السُّرر في الحجال {نعم الثواب} طاب ثوابهم {وحسنت} الأرائك {مرتفقاً} موضع ارتفاق، أَيْ: اتِّكاءً على المرفق فيه.
{واضرب لهم مثلاً رجلين} يعني: ابني ملكٍ كان في بني إسرائيل تُوفِّي وتركهما، فاتخذ أحدهما القصور والأجنَّة، والآخر كان زاهداً في الدُّنيا، راغباً في الآخرة، فكان إذا عمل أخوه شيئاً من زينة الدُّنيا، أخذ الزَّاهد مثل ذلك، فقدَّمه لآخرته، واتَّخذ به عند الله الأجنة والقصور حتى نفد ماله، فضربهما الله مثلاً للمؤمن والكافر الذي أبطرته النِّعمة، وهو قوله: {جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل} وجعلنا النَّخل مُطبقاً بهما {وجعلنا بينهما} بين الجنتين {زرعاً}


{كلتا الجنتين آتت أكلها} أدَّت ريعها تامَّاً {ولم تظلم منه شيئاً} لم تنقص. {وفجرنا خلالهما} أخرجنا وسط الجنتين {نهراً}.
{وكان له ثمر} وكان للأخ الكافر أموال كثيرة {فقال لصاحبه} لأخيه {وهو يحاوره} يراجعه في الكلام ويُجاذبه، وذلك أنَّه سأله عن ماله فيما أنفقه؟ فقال: قدَّمته بين يدي لأقدم عليه، فقال: {أنا أكثر منك مالاً وأعزُّ نفراً} رهطاً وعشيرةً.
{ودخل جنته} وذلك أنَّه أخذ بيد أخيه المسلم فأدخله جنَّته يطوف به فيها، وقوله: {وهم ظالم لنفسه} أَيْ: بالكفر بالله تعالى {قال ما أظنُّ أن تبيد} تهلك {هذه أبداً} أنكر أنَّ الله سبحانه يفني الدُّنيا، وأنَّ القيامة تقوم فقال: {وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي} يريد: إن كان البعث حقَّاً {لأجدنَّ خيراً منها منقلباً} كما أعطاني هذا في الدُّنيا سيعطيني في الآخرة أفضل منه، فقال له أخوه المسلم: {أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة} في رحم أُمِّك {ثم سوَّاك رجلاً} جعلك معتدل الخلق والقامة.
{لكنا} لكن أنا {هو الله ربي...} الآية.
{ولولا} وهلاَّ {إذْ دخلت جنتك قلت ما شاء الله} أي: الأمر ما شاء الله، أَيْ: بمشيئة الله تعالى: {لا قوة إلاَّ بالله} لا يقوى أحدٌ على ما في يديه من ملكٍ ونعمةٍ إلاَّ بالله، هذا توبيخٌ من المسلم للكافر على مقالته، وتعليمٌ له ما يجب أن يقول، ثم رجع إلى نفسه فقال: {إن ترن أنا أقلَّ منك مالاً وولداً فعسى ربي أن يؤتين} في الآخرة، أو في الدُّنيا {خيراً من جنتك أو يرسل عليها} على جنَّتك {حسباناً من السماء} عذاباً يرميها به من بَرَدٍ أو صاعقةٍ {فتصبح صعيداً زلقاً} أرضاً لا نبات فيها.
{أو يصبح ماؤها} يعني: النَّهر خلالها {غوراً} غائراً ذاهباً في الأرض {فلن تستطيع} لا تقوى {له طلباً} لا يبقى له أثرٌ تطلبه.
{وأحيط بثمره} وأُهلكت أشجار المثمرة {فأصبح يقلب كفيه} يضرب يديه واحدةً على الأخرى ندامةً {على ما أنفق فيها وهي خاوية} ساقطةٌ {على عروشها} سقوفها وما عرش للكروم {ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً} تمنَّى أنَّه كان مُوحِّداً غير مشركٍ حين لم ينفعه التَّمني.
{ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله} لم ينصره النَّفر الذين افتخر بهم حين قال: {وأعزُّ نفراً}. {وما كان منتصراً} بأن يستردَّ بدل ما ذهب منه، ثمَّ عاد الكلام إلى ما قبل القصة فقال: {هنالك} عند ذلك، يعني: يوم القيامة {الولاية لله الحق} يتولَّون الله ويؤمنون به، ويتبرَّؤون ممَّا كانوا يعبدون {هو خير ثواباً} أفضل ثواباً ممَّن يُرجى ثوابه {وخير عقباً} أَيْ: عاقبةُ طاعته خيرٌ من عاقبة طاعة غيره.


{واضرب لهم} لقومك {مثل الحياة الدنيا كماء} أَيْ: هو كماءٍ {أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض} أَيْ: شرب منه فبدا فيه الرِّيّ {فأصبح} أي: النَّبات {هشيماً} كسيراً مُتفتِّتاً {تذروه الرياح} تحمله وتفرِّقه، وهذه الآية مختصرةٌ من قوله تعالى: {إنما مثل الحياة الدنيا....} الآية. {وكان الله على كلِّ شيء} من الإنشاء والإِفناء {مقتدراً} قادراً، أنشأ النَّبات ولم يكن، ثمَّ أفناه.
{المال والبنون زينة الحياة الدنيا} هذا ردٌّ على الرُّؤساء الذين كانوا يفتخرون بالمال والأبناء، أخبر الله سبحانه أنَّ ذلك ممَّا يُتزيَّن به في الحياة الدُّنيا، ولا ينفع في الآخرة {والباقيات الصالحات} ما يأتي به سلمان وصهيب وفقراء المسلمين من الصَّلوات والأذكار والأعمال الصَّالحة {خير عند ربك ثواباً} أفضل ثواباً، وأفضل أملاً من المال والبنين.
{ويوم} واذكر يوم {نسيّر الجبال} عن وجه الأرض كما نُسيِّر السَّحاب {وترى الأرض بارزة} ظاهرةً ليس عليها شيءٌ {وحشرناهم} المؤمنين والكافرين {فلم نغادر} نترك {منهم أحداً}.
{وعرضوا على ربك} يعني: المحشورين {صفاً} مصفوفين، كلُّ زمرةٍ وأمَّةٍ صفٌّ، ويقال لهم: {لقد جئتمونا كما خلقناكم أوَّل مرة} حُفاةً عُراةً فرادى {بل زعمتم} خطابٌ لمنكري البعث {أن لن نجعل لكم موعداً} للبعث والجزاء.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7